الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.استيلاء صلاح الدين على حمص وحماة ثم حصاره حلب ثم ملكه بعلبك. ولما ملك صلاح الدين دمشق من أيالة الملك الصالح استخلف عليها أخاه سيف الدين الإسلام طغركين بن أيوب وكانت حمص وحماة وقلعة مرعش وسليمية وتل خالد والرها من بلاد الجزيرة في إقطاع فخر الدين مسعود الزعفراني من أمراء نور الدين ما عدا القلاع منها ولما مات نور الدين أجفل الزعفراني عنها لسوء سيرته ولما ملك صلاح الدين دمشق سار إلى حمص فملك البلد وامتنعت القلعة بالوالي الذي بها فجهز عسكر لحصارها وسار إلى حماة فنازلها منتصف شعبان وبقلعتها الأمير خرديك فبعث إليه صلاح الدين بأنه في طاعة الملك صالح وإنما جاء لمدافعة الإفرنج عنه وإرتجاع بلاده بالجزيرة من ابن عمه سيف الدين غازي صاحب الموصل واستخلفه على ذلك عز الدين ثم بعثه صلاح الدين إلى الملك الصالح بحلب في الإتفاق وإطلاق شمس الدين علي حسن وعثمان تقي الدين من الإعتقال فسار عز الدين لذلك واستخلف بالقلعة أخاه ولما وصل إلى حلب قبض عليه كمستكين وحبسه فسلم أخوه قلعة حماة لصلاح الدين وملكها ثم سار صلاح الدين من وقته إلى حلب وحاصرها وركب الملك الصالح وهو صبي مناهز فسار في البلد واستعان بالناس وذكر حقوق أبيه فبكى الناس رحمة له واستماتوا دونه وخرجوا فدافعوا عسكر صلاح الدين ودس كمستكين إلى مقدم الإسماعيلية في الفتك بصلاح الدين فبعث لذلك فداوية منهم وشعر بذلك بعض أصحاب صلاح الدين وجماعة منهم وقتلوا عن آخرهم وأقام صلاح الدين محاصرا لحلب وبعث كمستكين إلى الإفرنج يستنجدهم على منازلة بلاد صلاح الدين ليرحل عنهم وكان القمص سمند السنجيلي صاحب طرابلس أثره نور الدين في حارم سنة تسع وخمسين وبقي معتقلا بحلب فأطلقه الآن كمستكين بمائة وخمسين ألف دينار صورية وألف أسير وكان متغلبا على ابن مري ملك الإفرنج بكونه محذوفا لا يصدر إلا عن رأيه فسار بجموع الإفرنج إلى حصن الرستن سابع رجب وصالحهم صلاح الدين من الغد فأجفلوا وحاصر هو القلعة وملكها آخر شعبان واستولى على أكثر الشام ثم سار إلى بعلبك وبها يمن الخادم من موالي نور الدين فحاصرها حتى استأمنوا إليه فملكها منتصف رمضان من السنة وأقطعها شمس الدين محمد ابن عبد الملك المقدم بما تولى له من إظهار طاعته بدمشق وتسليمها له والله تعالى أعلم..حروب صلاح الدين مع سيف الدين غازي صاحب الموصل وغلبه إياه واستيلاؤه على بغدوين وغيرها من أعمال الملك الصالح ثم مصالحته على حلب. لما ملك صلاح الدين حمص وحماة وحاصر حلب كاتب الملك الصالح إسمعيل من حلب إلى ابن عمه سيف الدين غازي صاحب الموصل يستنجده فجمع عساكره واستنجد أخاه عماد الدين زنكي صاحب سنجار فلم يجبه لما كان بينه وبين صلاح الدين وأنه ولاه سنجار ويطعمه في الملك فبعث سيف الدين غازي بالعساكر لمدافعة صلاح الدين عن الشام في رمضان سنة سبعين وخمسمائة مع أخيه عز الدين مسعود وأمير جيوش عز الدين القندار وجعل التدبير إليه وسار هو إلى سنجار فحاصر بها أخاه عماد الدين وامتنع عليه وبينما هو يحاصره جاء الخبر بأن صلاح الدين هزم أخاه عز الدين وعساكره فصالح عماد الدين على سنجار وعاد إلى الموصل ثم جهز أخاه عز الدين في العساكر ثانية ومعه القندار وساروا إلى حلب فانضمت إليه عساكره وساروا جميعا إلى صلاح الدين فأرسل إلى عماد الدين بالموصل في الصلح بينه وبين الملك الصالح على أن يرد عليه حمص وحماة ويسوغه الصالح دمشق فأبى إلا إرتجاع جميع بلاد الشام واقتصاره على مصر سار صلاح الدين إلى عساكرهم ولقيها قريبا من حماة فانهزمت وثبت عز الدين ليلا ثم صدق عليه صلاح الدين الحملة فانهزم وغنم سوادهم ومخلفهم واتبع عساكر حلب حتى أخرجهم منها وحاصرها وقطع خطبة الملك الصالح وبعث بالخطبة للسلطان في جميع بلاده ولما طال عليهم الحصار صالحوه على إقراره على جميع ما ملك من الشام رحل عن حلب عاشر شوال من السنة وعاد إلى حماة ثم سار منها إلى بغدوين وكانت لفخر الدين مسعود بن الزعفراني من أمراء نور الدين وكان قد اتصل بالسلطان صلاح الدين واستخدم له ثم فارقه حيث لم يحصل على غرضه عنده فلحق ببغدوين وبها نائب الزعفراني فحاصرها حتى استأمنوا إليه وأقطعها خاله شهاب الدين محمود بن تكش الحارمي وأقطع حمص ناصر الدين ابن عمه شيركوه وعاد إلى دمشق آخر سنة سبعين وكان سيف الدين غازي صاحب الموصل بعد هزيمة أخيه وعساكره عاد من حصار أخيه بسنجار كما قلناه إلى الموصل فجمع العساكر وفرق الأموال واستنجد صاحب كيفا وصاحب ماردين وسار في ستة آلاف فارس وانتهى إلى نصيبين في ربيع سنة إحدى وسبعين فأقام إلى انسلاخ فصل الشتاء وسار إلى حلب فبرز إليه سعد الدين كمستكين الخادم مدبر الصالح في عساكر حلب وبعث صلاح الدين عن عساكره من مصر وقد كان أذن لهم في الإنطلاق فجاؤا إليه من دمشق إلى سيف الدين وكمستكين فلقيهم بتل الفحول وانهزموا راجعين إلى حلب وترك سيف الدين أخاه عز الدين بها في جمع من العساكر وعبر الفرات إلى الموصل يظن أن صلاح الدين في إتباعه وشاور الصالح وزيره جلال الدين ومجاهد الدين قايماز في مفارقة الموصل إلى قلعة الحميدية فعارضه في ذلك ثم عزل القندار عن إمارة الجيوش لأنه كان جر الهزيمة برأيه ومفارقته وولى مكانه مجاهد الدين قايماز ولما إنهزمت العساكر أمام صلاح الدين وغنم مخلفها سار إلى مراغة وملكها وولى عليها ثم سار إلى منبج وبها صاحبها قطب الدين نيال بن حسان المنبجي وكان شديد العداوة لصلاح الدين فملك المدينة وحاصره بالقلعة وضيق مخنقه ثم نقب أسوارها وملكها عليه عنوة وأسره ثم أطلقه سليبا فلحق بالموصل وأقطعه سيف الدين الرقة ولما فرغ صلاح الدين من منبج سار إلى قلعة عزاز وهي في غاية المنعة فحاصرها أربعين يوما حتى استأمنوا إليه فتسلمها في الأضحى ثم رحل فحاصرها وبها الملك الصالح واشتد أهلها في قتاله فعدل إلى المطاولة ثم سعى بينهما في الصلح وعلى أن يدخل فيه سيف الدين صاحب الموصل وصاحب كيفا وصاحب ماردين فاستقر الأمر على ذلك وخرجت أخت الملك الصالح إلى صلاح الدين فأكرمها وأفاض عليها العطاء وطلبت منه قلعة عزاز فأعطاها إياها ورحل إلى بلاد الإسماعيلية والله سبحانه وتعالى أعلم.
|